سورة العلق - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العلق)


        


{أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14)}
يعني أبا جهل كذب بكتاب الله عز وجل، وأعرض عن الايمان.
وقال الفراء: المعنى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى. عَبْداً إِذا صَلَّى وهو على الهدى، وآمر بالتقوى، والناهي مكذب متول عن الذكر، أي فما أعجب هذا! ثم يقول: ويله! ألم يعلم أبو جهل بأن الله يرى، أي يراه ويعلم فعله، فهو تقرير وتوبيخ.
وقيل: كل واحد من أَرَأَيْتَ بدل من الأول. وأَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى الخبر.


{كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16)}
قوله تعالى: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} أي أبو جهل عن أذاك يا محمد. لَنَسْفَعاً أي لنأخذن بِالنَّاصِيَةِ فلنذلنه.
وقيل: لنأخذن بناصيته يوم القيامة وتطوى مع قدميه، ويطرح في النار، كما قال تعالى: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ} [الرحمن: 41]. فالآية- وإن كانت في أبي جهل- فهي عظة للناس، وتهديد لمن يمتنع أو يمنع غيره عن الطاعة. واهل اللغة يقولون: سفعت بالشيء: إذا قبضت عليه وجذبته جذبا شديدا. ويقال: سفع بناصية فرسه. قال:
قوم إذا كثر الصياح رأيتهم *** من بين ملجم مهره أو سافع
وقيل: هو مأخوذ من سفعته النار والشمس: إذا غيرت وجهه إلى حال تسويد، كما قال:
أثافي سفعا في معرس مرجل *** ونوى كجذم الحوض أثلم خاشع
والناصية: شعر مقدم الرأس. وقد يعبر بها عن جملة الإنسان، كما يقال: هذه ناصية مباركة، إشارة إلى جميع الإنسان. وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته.
وقال المبرد: السفع: الجذب بشدة، أي لنجرن بناصيته إلى النار.
وقيل: السفع الضرب، أي لنلطمن وجهه. وكله متقارب المعنى. أي يجمع عليه الضرب عند الأخذ، ثم يجر إلى جهنم. ثم قال على البدل: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ أي ناصية أبي جهل كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها. والخاطئ معاقب مأخوذ. والمخطئ غير مأخوذ. ووصف الناصية بالكاذبة الخاطئة، كوصف الوجوه بالنظر في قوله تعالى: {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} [القيامة: 23].
وقيل: أي صاحبها كاذب خاطئ، كما يقال: نهاره صائم، وليله قائم، أي هو صائم في نهاره، ثم قائم في ليله.


{فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18)}
قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ} أي أهل مجلسه وعشيرته، فليستنصر بهم. {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} أي الملائكة الغلاظ الشداد- عن ابن عباس وغيره- واحدهم زبنى، قاله الكسائي.
وقال الأخفش: زابن. أبو عبيدة: زبنية.
وقيل: زباني.
وقيل: هو اسم للجمع، كالابابيل والعباديد.
وقال قتادة: هم الشرط في كلام العرب. وهو مأخوذ من الزبن وهو الدفع، ومنه المزابنة في البيع.
وقيل: إنما سموا الزبانية لأنهم يعملون بأرجلهم، كما يعملون بأيديهم، حكاه أبو الليث السمرقندي- رحمه الله- قال: وروي في الخبر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قرأ هذه السورة، وبلغ إلى قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} قال أبو جهل: أنا أدعو قومي حتى يمنعوا عني ربك. فقال الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ}. فلما سمع ذكر الزبانية رجع فزعا، فقيل له: خشيت منه! قال لا! ولكن رأيت عنده فارسا يهددني بالزبانية. فما أدري ما الزبانية، ومال إلي الفارس، فخشيت منه أن يأكلني.
وفي الاخبار أن الزبانية رؤوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض، فهم يدفعون الكفار في جهنم وقيل: إنهم أعظم الملائكة خلقا، وأشدهم بطشا. والعرب تطلق هذا الاسم على من أشتد بطشه. قال الشاعر:
مطاعيم في القصوى مطاعين في الوغى *** زبانية غلب عظام حلومها
وعن عكرمة عن ابن عباس: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو فعل لأخذته الملائكة عيانا». قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: مر أبو جهل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي عند المقام، فقال: ألم أنهك عن هذا يا محمد! فأغلظ له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني يا محمد! والله إني لأكثر أهل الوادي هذا ناديا، فأنزل الله عز وجل: {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ}. قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب من ساعته. أخرجه الترمذي بمعناه، وقال: حسن غريب صحيح. والنادي في كلام العرب: المجلس الذي ينتدي فيه القوم، أي يجتمعون، والمراد أهل النادي، كما قال جرير:
لهم مجلس صهب السبال أذلة ***
وقال زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوههم ***
وقال آخر:
واستب بعدك يا كليب المجلس ***
وقد ناديت الرجل أناديه إذا جالسته. قال زهير:
وجار البيت والرجل المنادي *** أمام الحي عقدهما سواء

1 | 2 | 3 | 4 | 5